Find Us OIn Facebook

 اخطاء طبية، جريمة صحية، حضرموت، اليمن


 تقرير : عمار بن جوهر 

دوما ما كان الإعلام يركز على الزعماء والمتحكمين بمجريات الأحداث من جانب، والضحايا المباشرين للحرب والأزمات من جانب آخر، ويبرز قصصهم ويحولها إلى قضايا رأي عام تحشد لها الاهتمامات والتدخلات، ولكننا سنسلط الضوء هنا على الضحايا الذين تأثروا بالحرب بشكل ثانوي غير أن معاناتهم تفاقمت جراء تتابع الأزمات عليهم دونما تدخل أي أحد لرفع الألم عنهم، حيث خلفت الحرب وحالات الطوارئ التي رافقتها في اليمن ضحايا من النساء والأطفال وبخاصة حديثي الولادة منهم بسبب الأخطاء الطبية داخل المستشفيات والمرافق الصحية في غياب تام للرقابة والمحاسبة من قبل جهات الاختصاص.

إهمال متعمد :

لم نكن نتخيل أن نصل إلى حال ان تلفظ الطفولة أنفاسها، وهي تلك التي تجتمع فيها كل معاني البراءة والسلام، فقد كانت محافظة حضرموت شرق اليمن لها نصيب من هذه المخالفات والتجاوزات بحق الأطفال داخل القطاع الصحي، تحديدًا تلك الأخطاء الطبية التي تسببت بفقدان البصر أو التشوهات المزمنة ما بعد الولادة جراء الإهمال واللامسوؤلية داخل بعض مستشفيات حضرموت ومراكزها الصحية.

أظلمت عيناه : 

معاذ بازغيفان ( 6 سنوات ) من حضرموت يعاني من إعاقة بصرية وهي العمى  لازمته منذ أن أصيب بخطأ طبي في مستشفى الأمومة والطفولة، فعندما تلتقيه مع أحد أخوته ويحكي لك أحداث قصته يتبادر إلى ذهنك التشكيك في ادعاء أن الأطباء هم ملائكة الرحمة، بسبب المعاناة التي وصل إليها هذا الطفل، ومع ذلك ترى الابتهاج يملأ ملامح وجهه.

يحكي محمد بازغيفان ( شقيق معاذ ) أنه وبعد فقدان أخيه البالغ ست سنوات للبصر لم يهدأ وهو يقدم شكاوى وتظلمات ، ولكنه لم يجد من ينصف قضية أخيه الصغير، أو يدافع عنها في فتور لا مسؤول من المنظمات والناشطين الحقوقيين، إضافة إلى أنه انصدمت جهوده بطريق مسدود عبر النظم الرسمية. 

كما يقول بازغيفان : " لا أتمنى أن أرى طفلًا آخر يعيش معاناة أخي، فعمق الأسى الذي ألمسه في ملامح أخي يوميًا يجعلني أتألم كثيرًا، كونه أمامي يصبح وينسب وهو يحتضن الظلام " .


ضحايا التشخيص : 

في لحظة ما كانت والدة مها تحلم أن ترى ابنتها تتمتع بصحة جيدة بعد تسعة أشهر من الحمل، وهي من كابدت عناء التعب أثناء الحمل ومرت بساعات مخاض صعبة، وفعلا عندما ولدتها رأت النور في آخر النفق، مع الأسف الشديد أن الفتاة المولودة لم تكن بصحة جيدة، ويلاحظ عليها عدم قدرتها على الرضاعة وكذا البكاء والصراخ الدائم، وكعادة الأمهات وخوفهن على صغارهن قامت والدة مها بالذهاب بها إلى مستشفى  ( أ . ط ) في مدينة المكلا لمتابعة حالة صغيرتها، وإذ بالطبيب المختص ينبؤها بأن الأمر طبيعي ولا يلزم أي تدخل طبي جاد ومستعجل، وأنها تعاني إما من ضيق تنفس، ضغط، وتارة أخرى لديها مشكلة بالأذن، وأعطى لها رويشتة طبية فيها عديد الأدوية المهدئة، وقامت بشرائها والأمل يحدوها لمساعدة ابنتها الرضيعة، واستمرت على هذا المنوال لسنوات طويلة، وهي تتعاطى الأدوية المهدئة، وبكل مرة داخل مستشفيات حضرموت الخاصة والحكومية يكون هناك تشخيص آخر.

التجربة خير برهان : 

تقول والدة مها : " أعتقد في تلك اللحظات أن ابنتي أصبحت حقلا لتجارب هؤلاء الأطباء، والذين لم تأخذهم الرحمة بأن يشخصوا حالة ابنتي بالشكل الصائب " واستمرت عائلة مها تتردد بها على أبواب الأطباء الأخصائيين واحدًا بعد الآخر وبكل مرة تتفاقم حالة الفتاة الصحية، وصلت إلى مرحلة أن يروا في عينيها الموت في أي لحظة.

هنا قررت عائلة مها السفر بها إلى الخارج لمتابعة حالتها الصحية، وحينها توجهوا إلى المملكة الأردنية الهاشمية وعند وصولهم إلى المستشفى كانت الصدمة بعد الفحص والتشخيص المبدئي، حيث أخبرهم الطبيب المختص أن احتمالية وجود مشكلة في عضلة القلب قد يكون كبيرًا، وفعلا بعد التشخيص النهائي توصل الأطباء في الأردن أن الصغيرة والبريئة ( مها )  لديها ثقب في القلب كان بالإمكان تدارك ضخامته لو تم حينها تشخيص حالتها مبكرا داخل اليمن وتحديدا حضرموت، وتم الربط لها وقت الولادة كان يمكن تجنيب الصغيرة هذه المعاناة، ولكن الطبيب الذي أشرف على عملية الولادة وقع في خطأ تشخيصي جسيم. 

مها تعيش وضعا مستقرا نوعا ما الآن وهي ابنة الثمان سنوات، ولكن حياتها مرتبطة ارتباطا كاملا بالأدوية بعد إجرائها لعمليات في القلب، وسفرها لأكثر من دولة لمتابعة حالتها الصحية، وفقط بقي هناك ثقب صغير يرجأ ان يلتئم بشكل طبيعي .

مسار قانوني : 

قامت أسرة مها برفع دعوى قضائية في النيابة العامة، وبدأوا في مسار تصعيدي لمحاسبة المتسببين في تفاقم الحالة الصحية لابنتهم، ولكن ما لبثوا أن قاموا بسحب الدعوى المرفوعة لدى جهاز النيابة العامة. 

قمنا بتوجيه السؤال لهم عن سبب ذلك أجابت والدة مها بأن المسار القضائي مرهق وفيه من الصعوبة الشيء الكثير، وأوضحت أنه سيعمل على تحملهم أعباء كثيرة، وقد يشتت تركيزه عن متابعة حالة ابنتهم وعلاجها بالخارج، إضافة إلى ضعف الرقابة والمساءلة داخل المرافق الصحية وعدم توفر البيانات الملزمة لكل المقصرين بتواتر في قضية مها، كما خوفهم وعدم ثقتهم بأجهزة القضاء في تقديم المقصرين للعدالة. 

في ريف حضرموت :

عبدالعزيز باوزير (٢٥ سنة ) شاب من ريف محافظة حضرموت يحكي الألم الذي يقاسيه منذ ٢٠ سنة عندما كان طفلا، يقول عبدالعزيز كان والداي حريصين جدا على جرعات التطعيم الدورية التي يفترض أن أحصل عليها من المركز الصحي في قريتي،  واستمر بهم الحال هكذا في الانتظام على جرعات التحصين، وعندما وصلت إلى عمر السنة والنصف حسب إخبارهم لي كانت لدي جرعة تحصين ومع الأسف الشديد لم يتم حقني بطريقة سليمة مما تسبب لي بإعاقة شلل نصفي، وبقيت انا وأهلي نكابد الوجع، ولم يستطيعوا معالجتي من حينها، وحسب حالتي الآن يقول عبدالعزيز : " انا مقعد لا أقدر أن أشرب كوب ماء دون مساعدة، ولا أن أقضي حاجتي دون مساعدة، وأصبحت رهين الفراش طفولتي وشباب كلاهما " .

ويضيف شقيق عبدالعزيز أن ضعف الثقافة والإدراك بأهمية محاسبة المخطئين في مثل هكذا أخطاء طبية يجب أن يكون من أولويات المسؤولين في القطاع الصحي الرسمي أو حتى الجهات القضائية ذات الصلة، وأنه حتى وإن تقادم الزمن فإنه من المفترض الا يسقط حق شقيقه او أي طفل تعرض لخطأ طبي ألزمه المرض والإعاقة لسنوات طويلة.


وعلى منوال عبدالعزيز هناك شاب آخر (فؤاد محمد ٢٢ سنة ) تعرض للخطأ ذاته أثناء التحصين من مرض الحصبة بإعطائه جرعة إضافية من قبل عامل صحي من الفرق المتجولة في أحد القرى النائية، وأصيب على إثرها بشلل نصفي وهو لزيم الفراش مذ كان طفلا رضيعا. 

تحكي والدته أن التحصين تحول من حماية إلى جحيم بالنسبة لابنها، ولو كانت تعلم شيئا عن الأخطاء الطبية حينها كانت ستبقي ابنها في حضنها دون أن ترميه في هذا الألم طيلة حياته، وكانت تحكي كلمة والعبرة تخنقها، ودموعها تتسابق على خدها، وتقول : " أنها تشعر بعذاب ضمير لا يوصف كونها ترى ابنها وهو قد بلغ سن العشرين وهو قعيد الفراش، وهو محروم من أبسط مقومات السعادة والابتهاج التي يعيشها من هم في عمره " .


غياب حس المسؤولية :

( فاطمة . ف ) اسم دلالي وهي ممرضة تعمل في أحد أشهر المستشفيات في مدينة المكلا تتحدث بحرقة أنها وقفت على كثير من حالات الولادة التي تتعرض فيها الأمهات لعنف توليدي ينعكس على صحة طفلها بعد ولادته، مما يسبب له بعض التشوهات او الإصابات المزمنة في خلقته، وأن هذا يعود إلى اللامبالاة في متابعة حالات الولادة أولًا بأول من قبل الممرضين والأطباء داخل غرف الوضع، وكذا لعدم وجود المساءلة من قبل الجهات ذات العلاقة المختصة.


ماذا يقول القانون؟ 


المستشار القانوني والمحامي أحمد الخنبشي يقول أنه بالنسبة لهذه القضايا أولاً يتم اتخاذ إجراءات إدارية و فنية قبل البت فيها من الناحية القانونية وذلك إذا توقع أهل الطفل وقوع خطأ طبي يتم تقديم طلب رسمي لمكتب الصحة ويتم إحالته إلى الشؤون القانونية بالصحة ويتم تكليف لجنة للنظر بالواقعة للتأكد من حدوثها طبيًا من عدمها، وفي حال ثبت وقوعها يتم الرجوع إلى القانون المختص في هذا المجال وهو قانون ممارسة المهن الطبية حيث نصت المادة 36 منه على الآتي :  لا تحول مسائلة ومعاقبة المخالف وفقا لأحكام هذا القانون عن مساءلته جنائيا إذا ترتب على مخالفته حدوث فعل او افعال تعد جريمة معاقبا عليها وفقا لقانون الجرائم والعقوبات او التشريعات الاخرى النافذة ومراعاة تعويض كل من لحقه ضرر طبقا للقانون، وكذلك أردفت المادة 33 فقرة (و)

أنه إذا كان المخالف يعمل لحساب منشاة طبية أو صحية فإنهما يسآلان مسئولية مباشرة كل عن مخالفته وتطبق العقوبة على أحدهما أو كليهما كل بحسب مسئوليته وفقا لأحكام هذا القانون .

وبالتالي يتم النظر أولًا في الموضوع إجرائياً حتى يتم تثبيت المخالفة الطبية ثم الانتقال للمراحل الأخرى.


رأي منظماتي :

ريم الكلدي قانونية ومهمة بقضايا الانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال، وهي مدير مركز الأمل للمرأة والطفل تحكي أن هناك أكثر من حالة قاموا بزيارة المركز لديهم، وهم يشكون من أخطاء طبية فادحة تعرض لها أطفالهم ألزمتهم الأذى النفسي والجسدي لفترات طويلة بسبب بعض أطباء المراكز الطبية في حضرموت.

تواصل ريم الكلدي – وهي يعتصر قلبها الألم – وتقول : " هناك حالة مؤسفة قدمت إلينا في المركز وقد تعرضت لخطأ طبي بشع خلفه إهمال متعمد تجاه طفل لم يتجاوز عمر الزهور عندما كانوا مرقدين بالمستشفى " ، وأوضحت ريم أن إدارة المركز قامت بالتدخل، وعملت على حل القضية بطريقة ودية بين أسرة الطفل والمرفق الصحي بشكل يحفظ للطفل حقه .

كما تقول الكلدي أن المركز يعجز في أحيان كثيرة للتوصل إلى حلول تحكيمية بين طرفي القضايا كون كثير منها تتجه نحو المسار القضائي بتبادل رفع الدعاوى في النيابات المختصة، بدورها أشارت إلى اهتمامات المركز الذي يقوم بتأهيل الحالات التي تتعرض للعنف الطبي من خلال الدعم النفسي والتدخل الطبي حال ، والتعامل معها بشكل محفز، والدفاع عن مظلوميتها بكل الطرق المتاحة وفق النظم والقوانين الإنسانية المحلية والدولية. 


ولنا ومضة : 

هذه الحوادث التي خطتها أقلامنا ماهي الا غيض من فيض قضايا وقصص مؤلمة تمر على أسر في حضرموت، وهي تكابد معاناة الأخطاء الطبية التي لحقت بأطفالها في غياب كامل للمسؤولية من قبل جهات الاختصاص إن كان على مستوى الهيئات أو المستشفيات أو حتى مكاتب وزارة الصحة ومن فوقها الجهات القضائية، وهذا يبقي في ذاكرتنا زوايا مظلمة خبأت بداخلها آلامًا وأوجاعاً تلاحقنا سنوات، ويجب أن نحشد الدعم المجتمعي للمناداة بحقوق الأطفال التي ينتهكها بعض العاملين في القطاعات الصحية في محافظة حضرموت.


" تم نشر هذه المادة بدعم من JDH/JHR صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا"

Post a Comment

أحدث أقدم

أخبار محلية

Recents