Find Us OIn Facebook

المرأة اليمنية، الأقتصاد، اليمن

تقرير: شذى العريقي

واجهت المرأة اليمنية الكثير من الصعوبات لتشق طريقها نحو تحقيق نجاحها الاقتصادي الخاص محاربةً آفتي الفقر والبطالة، وكانت العادات والتقاليد والظروف المعيشية الصعبة و الأوضاع الاقتصادية المتردية من أبرز العراقيل التي واجهتها، واستطاعت أن تجد لنفسها موضع قدم رغما عن تلك المعوقات والصعوبات، حيث أنشأت الكثير من المشاريع التي تمتلكها وتديرها، وبعد الأحداث التي شهدتها اليمن والحرب التي اندلعت في 25 مارس 2015 تراجعت المشاريع الصغيرة التي تقودها النساء خاصة بصورة ملحوظة ولكن سرعان ما استعادت نشاطها بعد أن استقرت الأوضاع نسبيا، بعدها ارتفعت نسبة المشاريع التي تملكها النساء وحققت نجاحا رغم الحرب، واستمرت هذه المشاريع حتى تم الإعلان عن انتشار جائحة كوفيد 19 في العالم، و تم تأكيد أول إصابة في الفيروس داخل البلاد في10 إبريل 2020 الأمر الذي أدى إلى توقف معظم قطاعات الحياة وتجمدت معظم المشاريع آنذاك..



كيف واجهت المرأة اليمنية التحديات التي حالت دون نهوضها الاقتصادي.



عانت المرأة اليمنية من أجل الحصول على حقوقها الاقتصادية، وتغلبت على العديد من التحديات في سبيل ذلك من أبرزها؛ العادات والتقاليد التي لطالما كانت قيدا أمام تقدم المرأة في عدة مجالات منها الاقتصادي، حيث أعتبر عمل المرأة بالوظيفة العامة أمرا معارضا لما أقره المجتمع والدين، وبالعودة إلى مسح القوة العاملة 2013-2014، فإنه ونتيجة للنظرة التقليدية لأدوار المرأة والرجل في المجتمع اليمني، تمثل المرأة 12.7% فقط من قوة العمل ومن يعملن لا يتجاوزن 26% مقابل 74% غير ناشطات(1) . وإلى جانب العادات والتقاليد فإن الوضع المعيشي لغالبية الأسر اليمنية كان حائلا دون حصول المرأة على حقها في التعلم والذي يعد السبيل الأول إلى نيل حقوقها الأخرى حيث وضعت الفاقة الأسرة اليمنية أمام خيار تفضيل تعليم الأبناء باعتبارهم سيكونون عونا لأسرهم مستقبلا وإبقاء الفتيات للعمل داخل المنزل، وهذا ما أدى إلى ارتفاع نسبة الأمية في أوساط النساء خاصة بالريف.


ومن جانب أخر فإن الأوضاع الاقتصادية المتردية خلقت تفاوتا ضخما بين فرص العمل وخريجي الجامعات والأيدي العاملة، مما أدى إلى ارتفاع نسبة البطالة بين الشباب عامة والنساء خاصة، وكان قطاع التعليم من أكثر القطاعات التي تجد فيه النساء الحاصلات على التعليم فرصة للعمل، وبعد أن انقطعت الرواتب داخل القطاع الحكومي لجأت المرأة اليمنية إلى إلى القطاع الخاص، القطاع الذي يتراوح الدخل فيه من 20 إلى 40 الف ريال يمني، وهذا المبلغ لا يغطي الاحتياجات الأساسية لشخص واحد ناهيك عن أسرة كاملة، لذا توقف بعضهن عن ممارسة مهنة التعليم وقررن العمل في مشاريع خاصة من أبرزها التسويق الالكتروني.

وقد استطاعت المرأة اليمنية تحدي العقبات التي واجهتها ولم ترضخ للواقع أو تقبل البقاء مكفوفة الأيدي بل فضلت الانخراط في سوق العمل وممارسة مختلف الأعمال خاصة الحرفية منها؛ كالخياطة والكوافير وصناعة الخبز والمعجنات والتصوير والتسويق الالكتروني، من أجل توفير حياة كريمة لها ولأسرتها ولمحاربة البطالة، وعلى الرغم من قلة المشاريع الكبيرة التي تقودها النساء والتي حققت نجاحا ملحوظا في مجالات التصوير والكوافير والخياطة ويتعدى ذلك التفوق إلى الاتجار في السيارات، ألّا أن هناك عشرات المشاريع الصغيرة التي ظهرت خاصة بعد الحرب، وقد حققت نجاحا نسبيا ساعدها على البقاء والاستمرار.


مشاريع بين عقبة الحرب وحادثة كورونا


بعد اندلاع الحرب تدهورت الحياة الاقتصادية في اليمن وتأثرت المعيشة، ترملت الكثير من النساء وحتى الرجال لم يكونوا وحدهم قادرين على سد الاحتياجات الأساسية لأسرهم من مسكن و طعام وكساء وتعليم، خاصة مع الارتفاع المستمر لأسعار السلع الاساسية، وارتفعت نسبة البطالة واضطر معظم العاملين على ترك وظائفهم قسرا، وأكدت الأمم المتحدة في تقرير صادر نهاية مارس 2016 أن عاما كاملا من الحرب على اليمن التي شنها التحالف بقيادة السعودية أدى إلى تدهور شديد في الاقتصاد وإغلاق واحدة من كل 4 شركات وتسريح 70% من العاملين لدى شركات القطاع الخاص(2) ، وباتت فرص العمل شبه منعدمة للخريجين، وقد كانت النساء أكثر من تضرر منذ بداية الأزمة نظرا لانقطاع التيار الكهربائي وانعدام الوقود والتي تعتمد عليها معظم المشاريع التي تقودها النساء بصورة أساسية، ووفقا لدراسة أجراها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي فقد تم إغلاق ما يقارب 42 بالمائة من الشركات الخاصة بالنساء في مختلف القطاعات بحلول عام 2015.



وعلى الرغم مما أوقعته الحرب على المشاريع الصغيرة إلّا انه وبمجرد استقرار الأوضاع نسبيا استعادت المشاريع عافيتها من جديد وسرعان ما زادت نسبة المشاريع الصغيرة التي تقودها النساء بصورة ملحوظة.



عفاف محمد؛ نازحة، هي، ومشروعها



عفاف محمد هي أستاذة التاريخ في إحدى مدارس مدينة تعز، والتي توقفت عن ممارسة مهنتها بعد أن اندلعت الحرب، وكان للمأساة التي خلفتها، أثرا على عفاف، أدى بها للانتقال للعيش إلى مدينة صنعاء، بعد أن دمرت الحرب جزئا من منزل عائلتها، تقول عفاف "بعد الحرب، فقدت استقراري النفسي كمعلمة، بالتالي تركت مهنة التدريس، وتوقفت تماما عن ممارسة وظيفتي"، لم تقتل الحرب شغف عفاف بالتعليم فقط، بل أنها تسببت في إغلاق مشروعها الصغير في المدينة، مشغل الخياطة، التي عملت عليه هي وصديقتها يسرا محمد الوجيه، المشروع الذي كان نتاج لنقاش جرى بين الصديقتين هدفتا من خلاله لاستثمار وقتهما، والمضي قدما نحو النجاح، ولكن الحرب كانت عائقا امامهما، لكن سرعان ما تم تجاوزه بكل إصرار وتحدي، حيث تقولان "لقد تجاوزنا كافة الصعوبات التي مررنا بها، بالجد والاجتهاد، والبحث، وتحسين جودة العمل" وهكذا عادت سعاد ويسرا لمزاولة العمل في صنعاء، وبإصرار استعادا مشروعهما من قبضه الحرب، مشروع Y&A لإنتاج ملابس الاطفال، وهو خطوة مشرفة في طريق النجاح.



مروى المبرزي؛ هواية تكسر حاجز البطالة


مروى، خريجة محاسبة، وإحدى الفتيات الطموحات، اللاتي أمتلكن الموهبة، وصنعن منها ذواتهن، مفضلة ذلك على تخصصها الجامعي. فأثناء دراستها الجامعية، اكتشفت مروى هوايتها بالتصوير، وعندما أكملت دراستها، لم تتوقف عند هذا الحد، وتنتظر! بل استثمرت ذاتها، ونجحت في أن تصبح مصورة معروفة، كما أرادت، تقول مروى: "لقد ساعدني أهلي وأصدقائي في اكتشاف موهبتي، ووجدت التشجيع الكافي، ما جعلني قادرة على الاستمرار، والتطوير من نفسي أكثر فأكثر" وتستمر مروى في الحديث عن سبب اختيارها لمجال التصوير والذي يعد بعيداً كل البعد عن تخصصها الجامعي قائلة: "رغم أهمية الشهادة الجامعية، إلّا أن التقيد فيها يؤدي إلى تقييد الذات، ففي بلادنا وفي ظل الأوضاع الحالية، يعتمد سوق العمل بدرجة كبيرة على فيتامين (و)* ، وأن كثيراً ممن يملكون أعمالا مرموقة في مختلف الجهات لا يحملون شهائد جامعية" هكذا لم تستسلم مروى للبطالة، بل شقت طريقها وأنشأت مشروعها الخاص، ومبدئياً نجحت في المضي نحو الأمام، ولو في خطواتها الأولى في المشروع، ووحدها من سيقرر الاستمرار في التقدم أكثر كما تقول.



تأثير كوفيد19 على طموح المرأة الاقتصادي



كان لفيروس كورونا أثرا كبيرا على معظم جوانب الحياة؛ وبالذات الجانب الاقتصادي، وقد كان للمشاريع الصغيرة النصيب الأكبر من هذا التأثير خاصة المشاريع التي تقودها النساء، حيث أظهر استطلاع أجراه مركز التجارة الدولية حول تأثير كوفيد 19 على الشركات في 136 دولة أن ما يقرب من 62 ٪ من الشركات الصغيرة التي تقودها النساء قد تأثرت بشدة بالأزمة، مقارنة بأكثر من نصف الشركات التي يقودها رجال ونساء 27٪ أكثر عرضة للنجاة من الوباء.


وفي اليمن تعد كلا من معامل الخياطة والمعجنات وحرفة التصوير من أبرز الأعمال التي تفضلها النساء في مشاريعهن، وتعتمد مهنة التصوير والمخبوزات والمعجنات بصورة أساسية على الأعراس والاحتفالات العامة كحفلات التخرج وأعياد الميلاد وغيرها، كما تعتمد معامل الخياطة على الأقمشة والبضائع المستوردة وبدرجة أساسية من الصين، وقد أثر فيروس كورونا على هذه المشاريع؛ حيث أدى انتشار حالات الإصابة بالفيروس في البلاد إلى إغلاق قاعات الاحتفالات وكان من غير الممكن القيام بالمناسبات الاجتماعية أو تلك التي تقام في قاعات كبيرة، وكذلك تقلصت الاحتفالات داخل المنازل بنسبة كبيرة خوفا من عدوى كورونا التي راح ضحيتها ما يقارب شخص618، تقول مروى " منذ اجتاح فيروس كورونا البلاد توقفت الطلبات على التصوير عند معظم من يعملن بهذه المهنة، وشخصيا لم استقبل طلبات بالشكل المعهود لمدة ستة أشهر تقريبا، إلّا من بعض الطلبات الفردية التي كانت تأتي بين فينة وأخرى"


 وبالنسبة لمعامل الخياطة فمنذ إغلاق الصين أبواب مصانعها التي تأثرت بالجائحة بشكل كبير، تعرقلت عملية استيراد المواد الخام التي تستخدم كمدخلات لهذه الصناعة، وما يتم استيراده تعرض للتأخير وارتفاع التكلفة، لذا توقفت معظم أنشطة معامل الخياطة أثناء الجائحة تقول عفاف " ارتفعت أسعار الأقمشة بعد انتشار كوفيد19 ارتفاعا غير مسبوق، ووجدنا صعوبة بإيجاد أنواع الخامات المطلوبة من قبل الزبائن، والتي اعتدنا شراءها بسهولة من قبل، مما أدى إلى ارتفاع قيمة بضاعتنا المعروضة بهدف تحقيق أرباح معقولة كالسابق، ولكن قلص ذلك من حجم الطلب على تلك السلع، لذا كانت المبيعات قليلة جدا أثناء الجائحة".


مما سبق يتضح أن المشاريع الصغيرة التي تمتلكها وتديرها النساء في اليمن تأثرت بجائحة كوفيد 19، وتعرضت للنقص الحاد في توفير مستلزمات الإنتاج الأساسية الأمر الذي أدى إلى اضطرار البعض إلى إغلاق المشاريع أو تقليص إنتاج السلعة أو تقديم الخدمة، وبذلك فقد البعض مصدر دخل كان يفترض ديمومته، كما انتقل البعض الاخر للعمل داخل المنزل من أجل التخلص من المسؤوليات المترتبة عن المشروع كالإيجار وفواتير الكهرباء والراتب وغيرها من الالتزامات.





ختاما كافحت المرأة اليمنية من أجل نيل حقوقها الاقتصادية، واستطاعت تجاوز الحرب ومعوقاتها وكورونا والصعوبات التي تسببت بها، ولا زال طموح المرأة اليمنية مستمرا رغما عن كل تلك التحديات، ولا تزال المشاريع الصغيرة التي تقودها النساء والتي تتسم بالنجاح والمرونة بالتعامل مع المتغيرات، تتزايد يوما بعد يوم.





تم نشر هذا التقرير بدعم من JDH/JHR صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا.



المراجع


1)  أثر ظروف الهشاشة والنزاع في اليمن...، المرصد الاقتصادي للدراسات والاستشارات، مارس 2017، ص21.

2) المصدر السابق، ص31


الهامش

* فيتامين و مصطلح يتداوله اليمنيون على أن كل من يمتلك الواسطة/الوساطة أو من لديه من يدعمه تصبح كل أموره ميسرة ويحصل على الوظيفة بسهولة ودون استحقاق غالبا

Post a Comment

أحدث أقدم

أخبار محلية

Recents