Find Us OIn Facebook

 


تقرير|  عمّار بن جوهر 

تعد الأزمة اليمنية من الأكثر تعقيدًا في أزمات دول الشرق الأوسط، كونه بالإضافة إلى الحرب والصراع والاحتياجات الإنسانية الفائقة، وإغلاق المنافذ، والمعضلات الصحية مثل جائحة كورونا، وتوسع رقعة الخلاف بين مختلف الأطراف إلا أنه صاحبها تعطيل لمؤسسات الدولة الدستورية والقانونية، وهذا فاقم أزمة تمثيل النوع الاجتماعي وعدالته في النظم القانونية والتي غابت أساسًا في التشريعات الوطنية منذ قيام الجمهورية اليمنية في العام 1990م.

سلطة الأعراف الاجتماعية : 

في العام 2018م نشر تقرير تم إعداده من قبل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة وصندوق الأمم المتحدة للسكان، واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا ( إسكوا ) ويرمي إلى أن نظام العرف الذي يتم  تناوله عبر النصوص الشفوية والمكتوبة مهم في المناطق التي تكون متأثرة باستقطاب العادات والمرجعيات القبلية، حيث قد يختار اليمنيون المطالبة سواءً عبر الأنظمة القانونية الرسمية أو العرفية، وفي المناطق التي غالبًا ما يسود فيها العرف القبلي بقوة، عادة ما يختار السكان قنوات العرف الاجتماعي القبلي لا النظام القانوني الرسمي، وهذا يزيد صعوبة تقبل عدالة النوع الاجتماعي داخل هذه الملاءة أهواء واعتقادات مشائخ القبائل سواءً أصابت أم خابت، وجاء هذا انعكاس لعديد العوامل كالامتيازات المتوقعة وسهولة الوصول عبر قنوات تواصل واضحة.

وبطبيعة الحال أن النساء تعترضهن مجموعة من العراقيل المتصلة والمتأصلة وفق ديناميات الجندر، ومرونة وصولهن إلى كيفية المطالبة بحقوقهن إن كان عبر النظام القانوني أو حتى العرفي.

الغياب عن سلطة التشريع : 

تحدثت الناشطة الحقوقية وعضو المجلس الاستشاري الإقليمي للشباب واليافعين السيدة عائشة الجعيدي قائلة : " معظم القوانين اليمنية تم تشريعها بعد قيام الوحدة اليمنية في أوائل التسعينات من القرن الماضي، وكان قانون الأحوال الشخصية من أهم تلك التشريعات، ولم يكن هناك تمثيل مجدي للعدالة الجندرية - بل كان لا يذكر - في المجلس التشريعي، حيث اقتصر على الرجال فقط من جملة (301) عضو مقابل امرأتين، واستمر مجلس النواب بهذا النمط حتى وصل في مرحلة لاحقة إلى امرأة واحدة، والآن ( صفر ) نساء، وعدم وجود النساء داخل البرلمان أسهم في غياب إصدار  القوانين أو حتى دراسة مشاريع قوانين قوانين تكون بها موازنة لعدالة النوع الاجتماعي، لإنه وبالأساس شروط عضوية البرلمان أساسية وبسيطة مقتصرة على كونك حاصل على تعليم ابتدائي وإعدادي فقط، وأن يكون أصلك لأب وأم يمنيين، ولم تصل  إلى أن يكون التمثيل على كفاءات تشريعية حاصلة على تعليم جيد، يعول عليها، وإنما اقتصرت على النخب القبلية التي من مصلحتهم بالأساس أن يتم إبعاد المرأة من أي أدوار فاعلة تصنع القرار، وأن تبق أدوارهن محدودة تخدم مصالح هذه النخب القبلية، أضف إلى ذلك أن مشاركة المرأة تأخرت إجمالًا في المجتمع المدني أو أي نشاط عام، لذا وصل بنا الحال إلى انعدام أدوار النساء في كل مجالس الدولة، سواءً مجلس القيادة الرئاسي أو مجلس النواب أو الشورى أو حتى مجلس الوزراء، وهذا ينتج عنه سياسات لا يمكنها حتى إدراك ماهية العدالة الجندرية أو لديهم أدنى فهم للصوت النسائي" .

قراءة في القوانين اليمنية : 

يتضح من خلال القراءة الأولية في قوانين الجمهورية اليمنية عدم مراعاتها لعدالة النوع الاجتماعي ابتداءً من دستور الدولة 1991م وتعديلاته في 1994م وصولًا إلى مشروع دستور الدولة الاتحادية في 2015م مرورًا بقوانين الجوازات والجنسية الذي صدر به قرار رئيس الوزراء بتعديلات في 2022م والإثبات وقانون الأحوال الشخصية في 1992م والعقوبات 1994م وقانون العمل الصادر في1995م، فمثلًا القوانين الجنائية لا يوجد فيها تشريع لمكافحة العنف الأسري، وكذا جرائم الشرف التي تسمح للرجل بقتل زوجته حال تلبسها في قضية شرف مع معاقبته بالحبس المخفف، بينما لا يعطى لها هذا الحق في التعامل معه حال تلبسه بالجريمة ذاتها، ومثله قانون الأحوال الشخصية الذي يعطي الحق في الغالب للرجل ووصايته على المرأة، وعلى نقيض ذلك في قانون العمل الذي يمنح الحق في إجازة الأمومة مدفوعة الأجر للمرأة بموجب نص المادة 45 من قانون العمل في إجازة أمومة بأجر كامل قوامها 70 يومًا ويدفعها صاحب العمل مباشرة، ورغم أنها أقل من مدة 14 أسبوع التي تتطلبها معايير منظمة العمل الدولية، إلا أنها في الوقت ذاته لا تراعي عدالة النوع الجندر، حيث أن الرجل لا يحصل على أي إجازة أو يقاربها كحق له في الأبوبة خصوصًا مع أيام المولود الأولى.

مشاركة وبصيص أمل : 

في محافظة حضرموت شرق اليمن كان للنوع الاجتماعي تحديدًا النساء حضورًا جيدًا من خلال مشاركتها في إعداد الخطة الخمسية ( 2011-2015م ) للمحافظة، وتم إفساح المجال لها عن طريق اللجنة الوطنية للمرأة بعد التحضير والتنسيق مع قيادة السلطة المحلية واللجنة الفنية وفق مجموعة من الإجراءات القانونية والإدارية والتنظيمية، حتى تتمكن من المشاركة الفعلية في كل مراحل بناء الخطة ابتداءً من مرحلة التحضير والتهيئة لإعداد الخطة من منظور النوع الاجتماعي، هذا ما أضافته عضو المجلس الأعلى للمرأة، رئيس اللجنة الوطنية للمرأة بمحافظة حضرموت السيدة فائزة بامطرف، وأكدت أن منظور النوع الاجتماعي بدأ يبرز كعنصر أساسي ويفرض نفسه على صناعة القرار في حضرموت عبر إفساح المجال له من الأجهزة الحكومية المختصة؛ للرقابة على الخطط ومتابعتها، وتنفيذ بعض الأنشطة التي تخص المرأة وعقد الشراكات مع المنظمات الدولية الداعمة لعدالة النوع الاجتماعي، والشركاء على المستوى الوطني والمحلي.

وعلى خطٍ موازٍ آخر تدخل الجامعات والتعليم الأكاديمي كمعزز متين لدعوات تمكين عدالة الجندر في التشريعات الوطنية الملزمة، وقوة ضغط على المشرعين حال تفعيل مؤسسة البرلمان، هذا ما قالته عميد كلية القانون بجامعة حضرموت د. فائزة عبيدي، عندما أفادت : " المناهج داخل الجامعات  لا تشكل ضغط، وإنما الأبحاث العلمية المعمقة، فعبر النتائج التي يتوصل اليها الباحث في بحثه والتي تحل مشكلته البحثية سيتوصل إلى توصيات يمكن أن تعرض على صناع القرار لتفعيلها في الواقع المحلي " .

" تم نشر هذا التقرير بدعم من JDH/JHR صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا "

Post a Comment

أحدث أقدم

أخبار محلية

Recents